من كل مكان

تُعنى هذه الصفحة بنشر مواضيع ذات صلة بحقوق الانسان إضافةً الى مايُرصد من انتهاكات تطال هذه الحقوق على انواعها




تكريس دور القضاء في حماية المرأة


جريدة الاخبار اللبنانيّة - العدد ٢٢٥٤ الإثنين ٢٤ آذار ٢٠١٤ - نزار صاغيّة

بتاريخ 18-3-2014، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في جديدة المتن رالف كركبي حكما لافتا منع بموجبه شخصا من نشر صور زوجته تحت طائلة تسديد غرامة  تكديرية قدرها 20 ألف دولار أميركي عن كل صورة تنشر لها أو تسرب لأي جهة كانت وبأي وسيلة كانت. وفي تفاصيل القضية أن الزوج المتأهل من المستدعية منذ ستة عشر عاما كان قد التقط لها صورا حميمية بموافقتها على اعتبار أنه زوجها، وأنه بعد نشوء نزاعات أخيرا بينهما، هدد الزوج بأنه سينشر الصور بهدف تشويه سمعة زوجته واتهامها بالزنى، ليتمكن من فسخ عقد الزواج معها على مسؤوليتها. وقد توجهت المستدعية الى قضاء الأمور المستعجلة في جديدة المتن لمنعه من القيام بذلك، بموجب أمر على عريضة من دون خصومة، وهذا ما استجاب القاضي له.
وقد تضمن هذا القرار حيثيات بالغة الأهمية، على صعيد مفهوم العنف ضد المرأة، وعلى صعيد وظيفة القاضي في اتخاذ تدابير لحمايتها ضد مختلف أشكاله، ولا سيما في ظل تقاعس المشرع عن القيام بذلك.
فهو أقر للمرة الأولى بحق المرأة بالحماية ازاء العنف المعنوي، الى جانب حقها بالحماية ازاء العنف الجسدي. فـ«العنف ضد المرأة لا يقتصر على العنف الجسدي الذي يمكن أن تتعرض له المرأة من قبل شريكها أو أي رجل آخر، بل يشمل أيضا العنف المعنوي الصادر عن الرجل بتصرف معين يطاول من خلاله كرامتها ومكانتها الاجتماعية والعائلية والمهنية»، بل إن القرار ذهب الى حد القول إن من شأن العنف المعنوي أن يلحق بالمرأة أضرارا أخطر من العنف الجسدي، ولا سيما عندما يشوه صورتها ويهدد مستقبلها كما هي الحالة في موضوع القضية التي يتناولها. فنشر صور منافية للحشمة «تمثل عنفا نفسيا لها (للمرأة) يهدد كرامتها ومكانتها الاجتماعية والعائلية». ومن هذه الجهة، جاء القرار، من خلال الحالة العملية التي تناولها، بمثابة انتقاد جد بليغ لمشروع قانون الحماية من العنف، كما أحالته اللجان المشتركة على الهيئة العامة للمجلس النيابي في تموز 2013. وكان المشروع قد أشار صراحة في أسبابه الموجبة الى استبعاد العنف المعنوي من تعريف العنف المشمول فيه، بعدما حصر مجال تطبيقه في حالات محددة دون ترك مجال للتوسع أو الاجتهاد، كما أسهبنا في تبيانه في مكان آخر. وبذلك، أعطى القرار الناشطين في قضايا العنف ضد المرأة زخما جديدا للمطالبة باعادة فتح النقاش في الهيئة العامة للمجلس في اتجاه اعادة تعريف العنف، الذي سينص عليه القانون المزمع اقراره، بحيث يشمل مجددا العنف المعنوي، بما فيه من اكراه النساء على الزواج أو ممارسة الدعارة أو تعرض للكرامة.. الخ.
أما الميزة الثانية للقرار، وهي لا تقل أهمية عن الأولى، فقد تمثلت في تخصيص حيثية كاملة لاعلان دور القضاء والاجتهاد في ظل غياب النصوص القانونية الحمائية. فبعدما ذكر القرار بـ«أن المشرع اللبناني لم يتوصل لغاية تاريخه الى سن قانون خاص بحماية المرأة ضد العنف»، أعلن أنه «هنا يأتي دور الاجتهاد – وهو مصدر من مصادر القانون ـــ ليسد الفراغ التشريعي في أي موضوع كان، وتحديدا في موضوع العنف ضد المرأة، فيخلق لها الحماية المعنوية والجسدية المناسبة الى حين صدور قانون بهذا الشأن». ويلحظ أن القاضي عمد الى التسطير تحت هذه العبارة الأخيرة، فضلا عن كتابتها بالخط الأسود العريض
BOLD في اشارة واضحة الى أنه في صدد اعلان موقف أساسي بخصوص تصوره لطبيعة وظيفته القضائية. وبالطبع، هذا الموقف يمثل في عمقه من جهة التزاما من قبل القاضي بمواصلة الاجتهاد في هذا الاتجاه، وفي الوقت نفسه دعوة الى زملائه القضاة لمجاراته فيه، توصلا الى تكريس دور القضاء في حماية المرأة وسائر الفئات الاجتماعية المغبونة أو المعرضة للخطر كلما تلكأ أو تقاعس المشرع عن القيام بذلك. ومن نافل القول إن من شأن موقف مماثل وما قد ينشأ عنه من قرارات، أن يقدم الاثبات تلو الآخر على امكان احراز خطوات مهمة من خلال القضاء في قضايا مماثلة، وأن يعزز تاليا الوصل بين الفئات الاجتماعية المختلفة والقضاء، بحيث تصبح هذه الفئات أكثر استعدادا وتهيؤا وربما حماسة للجوء اليه وعرض قضاياها ومناقشتها على حلبته. وأهم ما في هذه الاثباتات هو أنها تقدم في فترة يبدو فيها المشرع كأنه يقدم إلى هذه الفئات اثباتات معاكسة تماما، اثباتات تؤشر يوما بعد يوم إلى عجزه عن تكوين ارادة عامة للتجاوب مع همومها وقضاياها على نحو مناسب. وليس أدل على ذلك مما شهده مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري من تجاذبات ومماحكات أدت عمليا الى تجريده من جوانب أساسية عدة، كما يمكن الاشارة الى مثل آخر هو قضية المفقودين والمخفيين قسرا، وذلك من خلال مقارنة قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 4/3/2014 الذي انتهى الى تكريس حق المعرفة لذويهم على نحو بين وواضح، بإعراض المجلس النيابي عن القيام بأي خطوة لتكريس هذا الحق.
وختاما، بقي أن نذكر أن هذا القرار يأتي تبعا لقرارين سابقين، بادر الى اتخاذهما القضاء المستعجل في جديدة المتن (كركبي وأنطوان طعمة) في سياق حماية امرأة وابنتها ازاء العنف الجسدي، الذي كان يمارسه زوجها السابق عليهما. وقد انتهى القراران اللذان وافقت عليهما محكمة التمييز (أي أعلى مرجع قضائي) الى تكريس مبدأ قانوني جديد مفاده «سلامة الانسان فوق كل اعتبار»، وهو مبدأ يفتح بداهة بابا واسعا لحماية النساء من العنف.



«الجلّاد» يؤدّب «العاملة الأجنبية»... باغتصابها
جريدة الاخبار اللبنانية - العدد ٢٢٥٥ الثلاثاء ٢٥ آذار ٢٠١٤ – محمد نزّال
ليس «عادياً» أن تُغتصب عاملة أجنبية، بعد ضربها وإذلالها، بحجّة تأديبها، ثم لا ينتفض كل من يعنيه الأمر. حصل ذلك قبل أيام، حيث هُتكت روح عاملة إثيوبية، وديست كرامتها الإنسانية
ما زلنا نعيش زمن الرقّ. دعكم من كل المعاهدات والاتفاقيات، كل الدساتير والقوانين، كل النواميس التي تحظر العبودية وتعاقب عليها. المسألة في الرأس أولاً، في الذهنية والعقلية، في الموروث المتأصل، الذي لا يبدو أننا غادرناه بعد... هنا المسألة قبل أي مكان آخر. هل من «العادي» أن يمرّ خبر اغتصاب عاملة أجنبية، بعد ضربها وإذلالها، على يد «رجل» يعمل في المكتب الذي «استقدمها» من الخارج، بهدف «تأديبها» كما قيل، ثم لا يضج المعنيون بالخبر؟
ألا يمسّ هذا الكرامة الإنسانية، للجميع، قبل أن يمسّ جسد تلك العاملة الإثيوبية المدمّى؟ حصل ذلك في بلدة كوسبا - الكورة (الشمال) قبل أيام. سيخرج من يقول، وهذا بالمناسبة يخرج باستمرار، إن هذه القضية «بسيطة» مقارنة بكل ما نراه من جرائم قتل في لبنان، وخارج لبنان، وبالتالي لماذا نتوقف عندها؟! يغيب، ربما، عن بال هؤلاء أن ما حصل، وما يحصل، في لبنان ومحيطه، إنما هو من أجل «الحرية» أو «الكرامة» (وفق مختلف الأيديولوجيات). فبالتالي، هل من لا يخشى على كرامة إنسان ضعيف عنده، كعاملة أجنبية، تراه يكون مستحقاً لهذه الكرامة في مكان آخر؟ وعندها أي قيمة يبقى لـ«نضاله» في أي قضية أخرى؟

كانت السكرتيرة في الخارج تسمع كل شيء، وكأن هذا هو «العادي» هناك
كان بإمكان شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي أن لا تورد الخبر، في بيان مستقل، وأن تبقي عليه طيّ الكتمان ككثير من أخبار الحوادث اليومية. ولكن كان للمقدم جوزف مسلّم رأي آخر. فعلها ونشر الخبر، معمماً إياه على وسائل الإعلام، لأن «القضية ليست عادية، وبالتالي هذه رسالة إلى كل من يفكر أن يستضعف فئة العاملات، ولهذا طلبنا من كل عاملة أو من باستطاعته مساعدتها في الحالات المماثلة، أن تتصل أو يتصل بنا على رقم الطوارئ لمتابعة الأمر». خيراً فعل مسلّم.
ثمّة ما لم يرد في بيان قوى الأمن، لكن علمته «الأخبار» لاحقاً، وإليكم الرواية كما حصلت، علماً أن التحقيقات لم تنته بعد، وبالتالي يُنتظر أن تظهر معلومات إضافية بعد. بدأت القصة عندما تذمرت سيدة سبعينية، من عاملتها الإثيوبية ب.ا. (33 عاماً). اصطحبتها إلى المكتب الذي استقدمتها منه، الكائن في بلدة كوسبا الشمالية، وتديره سيدة لبنانية، وهي محامية. يُقال إن الأخيرة لم تكن في المكتب، فشكت السيدة العجوز عاملتها إلى السكرتيرة، وهي ل.س. (24 عاماً)، في طريقة بدت اعتيادية. ليس مهماً، هنا، الخلاف بين السيدة العجوز والعاملة لديها؛ فهذا بالأصل، لو كانت الذهنية سليمة إنسانياً، فإنه ما كان ليخرج عن إطار خلاف عادي بين موظف وصاحب عمله. لكن الحديث هنا عن «عاملة أجنبية»، أي تلك «العبدة» المكرّسة كذلك، بمفعول رجعي، نتيجة أعراف بالية معمول بها في لبنان. إنه «نظام الكفالة» وتوابعه، الذي يجعل من تلك العاملة «عبدة» أو «أمَة»، ولكن هذه المرة ـ وبأفظع مما جاء في أنظمة الرق القديمة ـ تُسبغ عليه الشرعية لنصبح أمام «سوق نخاسة» تحت ظل القانون!
أهانت تلك السكرتيرة العاملة. قرّعتها بكلامات قاسية. طبيعي هنا أن نسمع عبارات من قبيل «ليش مش عم تفهمي يا حيوانة»، أو «أنا بفرجيكي يا بقرة». وبالفعل، لقد «فرجتها». اتصلت بأحد العاملين في المكتب المذكور، ووظيفته بالأصل سائق خصوصي، ولكن يبدو أن لديه وظيفة أخرى. ما هي يا تُرى؟ إنه الذي «يُربّي» العاملات الأجنبيات في المكتب. إنه الشخص الذي يأخذ دور «المطاوع» هنا. حضر على وجه السرعة، وراح «يبهدل» العاملة ويهينها، قبل أن يدخلها إلى غرفة منفردة في المكتب. راحت تصرخ، وهو يضرب، تصرخ أكثر فيضرب أكثر، والسكرتيرة في الخارج تسمع كل شيء، وكأن هذا هو «العادي» هناك. استخدم حزام وسطه في ضربها. كأنه ذاك السوط، الذي لطالما جُلد فيه العبيد على مر التاريخ، في صورة نمطية يأبى البعض جعلها من الماضي. عُرضت لاحقاً العاملة على طبيب شرعي، فأثبت وجود كدمات على جسدها، واللافت وجود كدمات في «المناطق الحساسة». لقد ضربها على أعضائها الجنسية. الكارثي في الأمر، بحسب المتابعين، أن ذاك «المتوحش» أعجب بجسد العاملة أثناء ضربها، اهتاج من عنفه على جسدها، فقرر اغتصابها، وهذا ما كان. لقد تم «تأديبها» أخيراً. طُلب منها أن «تسمع كلمة معلمتها»، وإلا فستنال العقاب ذاته كل مرّة. تُرى، أي روح بقيت في تلك العاملة؟ إن فعلت، غداً، ما يُخالف القانون، فهل من سيلومها؟ تحديداً إن لم ينصفها القانون، في معاقبة الفاعلين، فهل هناك من يمكنه أن يضع عينه في عينها إن فعلت ما لا يُرضي القانون؟
كان لافتاً أن العاملة هي التي ادّعت لاحقاً بما حصل معها، أمام مفرزة طرابلس القضائية في وحدة الشرطة القضائية، بمعرفة السيدة التي تعمل لديها. هذا يطرح سؤال: كم عاملة حصل معها الأمر نفسه، وربما بما هو أفظع، ولم يعلم بأمرها أحد؛ لأنها لم تدّع أمام القوى الأمنية؟ هل يُتصور أن هؤلاء العاملات يعرفن طريق المخافر؟ من حُسن الحظ أن القضية حصلت بالتزامن مع مناوبة القاضي غسان باسيل في النيابة العامة. باسيل، الذي كان أوقف قبل نحو سنة رجلاً وامرأة، بتهمة ضرب عاملة أجنبية، وجد أن ضرب العاملة في كوسبا بالطريقة المذكورة، فضلاً عن اغتصابها، يستدعي بكل راحة ضمير أن يوقف الموظف في المكتب (الجلاد) والسكرتيرة أيضاً. هذا ما نقلته إلى «الأخبار» مصادر حقوقية متابعة للقضية. في إفادتها أمام المحققين، ذكرت العاملة علامات فارقة في جسد الذي اعتدى عليها، لتأكيد أنه نزع ثيابه في تلك الأثناء، قبل أن يأتي تقرير الطبيب الشرعي ويشير إلى الأمر. التحقيق مفتوح الآن، وسيُحال على قاضي التحقيق، بما يعنيه ذلك من احتمال استدعاء صاحبة المكتب، لمعرفة إن كان ما حصل «عادة ثابتة» أو حادثة. ربما شكلت الحادثة التي حصلت، فضلاً عمّا سبق من حوادث مشابهة، مناسبة لإعادة النظر في طبيعة عمل تلك المكاتب المُستثمرة في «استقدام العاملات الأجنبيات». الخبراء في هذا المجال يؤكدون أن لا رقابة مستمرة على تلك المكاتب، ولا على آليات عملها بنحو مباشر، ما يستدعي وضع خطة من قبل وزارة العمل للتفتيش باستمرار؛ إذ لا يمكن انتظار كل عاملة مغتصبة، أو معتدى عليها، حتى تدّعي بنفسها أمام القوى الأمنية. ومن المفيد السؤال هنا عن دور نقابة هذه المكاتب المذكورة، وأي دور لها في حماية العاملات، في ظل ثقافة «استعباد» لا يبدو أنها في طريقها إلى الاندثار في هذه البلاد البائسة.
ربما بات لزاماً، هذه الأيام، أن يُردد على مسامع من يعنيهم الأمر مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحديداً نص المادة الأولى منه: «يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء». كذلك سيكون من المفيد التذكير بالفقرة الأولى من ديباجة الإعلان المذكور: «الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».
 
 

لبنان ملزم بكشف التحقيقات عن المفقودين

جريدة الاخبار - العدد ٢٢٤٥ الخميس ١٣ آذار ٢٠١٤

كرس حكم تاريخي صدر عن مجلس شورى الدولة حق أهالي المفقودين بالاطلاع على نتائج التحقيقات الرسمية التي أجرتها الحكومة اللبنانية قبل عقد ونصف، وأعلنت عبرها أن جميع المفقودين قتلوا خلال الحرب الأهلية. ويكسب القرار ذوي الضحايا جولة في معركة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود لكشف مصير أحبائهم، ولا سيما أن حكم مجلس الشوري يشمل محاضر الاستماع إلى مسؤولي الميليشيات التي قامت بأعمال القتل

بسام القنطار

أفرج مجلس شورى الدولة عن واحدة من أبرز المراجعات المكدسة في «جواريره»، تتعلق بحق أهالي المخطوفين والمفقودين والمخفيين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية بالاستحصال على نسخة عن كامل ملف التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق الرسمية للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين.
القرار الذي صدر بتاريخ مطلع الشهر الجاري عن الغرفة الأولى في المجلس برئاسة القاضي شكري صادر وعضوية المستشارين فاطمة عويدات وميريه عماطوري، يكرس للمرة الأولى الحق بالوصول الى المعلومات بشكل عام وحق ذوي المفقودين بمعرفة مصير أحبائهم، وقد قضى هذا الحكم بإبطال القرار الضمني الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء برفض تسليم ملف التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الرسمية للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين لذوي المفقودين وإعلان حقهم بالاستحصال على نسخة عن الملف الكامل عملاً بحق المعرفة. وقد توصل المجلس الى هذه النتيجة بعدما أعلن حقاً أساسياً جديداً هو حق ذوي المفقودين، على أساس أن هذا الحق هو حق طبيعي متفرع عن حقوق الإنسان بالحياة وبالحياة الكريمة وبمدفن لائق، وعن حق العائلة باحترام الأسس العائلية وجمع شملها وعن حق الطفل بالرعاية الأسرية والعاطفية والحياة المستقرة، وهي حقوق كرستها المواثيق والشرائع الدولية التي انضم إليها لبنان، ما يستتبع إعلان حق ذوي المفقودين بالاطلاع على كل التحقيقات لكشف مصيرهم وأن هذا الحق لا يقبل أي تقييد أو انتقاص أو استثناء إلا بموجب نص صريح، الأمر غير المتوفر في القضية الحاضرة.
وكانت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وجمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) قد تقدمتا في 24/12/2009، بواسطة وكيلهما المحامي نزار صاغية بدعوى الى مجلس شورى الدولة بهذا الخصوص.
رئيسة لجنة أهالي المخطوفين وداد حلواني قالت لـ«الأخبار» إن قرار مجلس شورى الدولة يفتح ثغرة في الجدار المنيع الذي بنته الحكومات اللبنانية المتعاقبة لمنع وصول أهالي الضحايا الى الحقيقة، تاركة مصير آلاف أسر المفقودين معلّقاً لعقود، في انتظار معرفة مصيرهم».
وتضيف حلواني «لم تتلقّ العائلات سوى القليل من الدعم، وعانت في صمت وانتظرت الأخبار التي لم تأت». وقالت «يبقى الطلب الأول والأكثر إلحاحاً للأسر حتى بعد مرور سنوات عدة على الاختفاء، وهو معرفة مصير أقاربهم المفقودين».
ولفتت حلواني الى أن هذا الحكم يجدّد الثقة بالقضاء اللبناني ويجعلنا أكثر رهاناً على استقلاليته من أجل كشف مصير المفقودين، ولن نسكت في حال امتناع الحكومة اللبنانية عن تنفيذ مضمون القرار القاضي بتسليمنا كامل ملف التحقيقات، وسنعتبر حجب المعلومات عنا بمثابة مشاركة فعلية في جريمة الخطف المتمادية والتي لا تسقط بمرور الزمن أو بالتقادم.
وذكّرت حلواني رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بخطاب القسم الذي تعهد فيه بكشف مصير المفقودين، مشيرة الى أن أمام الرئيس فرصة أخيرة لتنفيذ ما تضمّنه هذا الخطاب قبل انتهاء ولايته الدستورية. وأضافت: «في خضم الفرحة الكبيرة بتحرير الراهبات، والتشديد على ضرورة تحرير المطرانين المحتجزين في سوريا، لم نسمع من فخامته أي إشارة الى مصير المفقودين أو بارقة أمل بحل قضيتهم، فإذا كانت الدولة اللبنانية قادرة على العمل من أجل تحرير أشخاص خارج الحدود اللبنانية، فمن الضروري أيضاً أن لا تنسى المخفيين قسراً في لبنان». وأردفت: «يا ريت بتمّ تعيين لواء لكشف مصير المفقودين»، وذكّرت حلواني الرئيس تمام سلام بوعده بالعمل على هذه القضية عندما تسلم الملف من اللجنة. كذلك طالبت وزير العدل اللواء أشرف ريفي بسحب قرار إنشاء لجنة للمفقودين وإنفاذ مطلب الأهالي بإقرار اقتراح قانون يكفل إنشاء مؤسسة وطنية للمفقودين تعمل بشكل علمي ومستقل ومحايد لكشف مصير المفقودين.
وكان وزير العدل السابق شكيب قرطباوي قد أعد مرسوماً لإنشاء «الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين»، لكن عائلات المفقودين تعترض على هذا الإجراء، وتطالب بإنشاء هذه الهيئة عبر قانون صادر عن مجلس النواب، وخصوصاً أن الجمعيات المعنية بهذه القضية كانت قد أعدت مع عدد من الخبراء ومؤسسات دولية مشروع قانون بهذا الخصوص. وتطالب العائلات بأن تضع «الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين» قائمة مركزية وشاملة بأسماء جميع الأشخاص المفقودين، ومنحها الموارد والصلاحيات اللازمة لتكون قادرة على تنسيق عمليات البحث عن المفقودين ودعمها والإشراف عليها، ومن ثم إبلاغ العائلات بما توصلت إليه، وأن تمتلك المهارات والموارد اللازمة لجمع المعلومات عن مواقع الدفن، أي المقابر الفردية أو الجماعية التي قد يكون دُفن فيها رفات أشخاص مفقودين.
وتعهدت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على أعلى المستويات النظر في قضية المفقودين، وتقديم الأجوبة والدعم لعائلاتهم، وأُنشئت ثلاث لجان مختلفة لمعالجة الموضوع. اللجنة الأولى: «لجنة التحقيق الرسمية للتقصي عن مصير المخطوفين والمفقودين» في كانون الثاني 2000. وأنشئت اللجنة الثانية لتلقي شكاوى أهالي المخفيين بمرسوم وزاري عام 2001، ومُدِّدت مهمتها مرتين وانتهت في شباط 2002. وأنشئت اللجنة الثالثة «اللجنة اللبنانية السورية المشتركة» في آب 2005 ، ولا تزال قائمة حتى الآن، مع أنها لم تعقد أي اجتماع منذ تموز 2010.
وبالعودة الى قرار مجلس شورى الدولة، يتبين أن الجهة المستدعية طلبت إبطال قرار رئاسة مجلس الوزراء الضمني بالرفض الصادر نتيجة طلبها الاستحصال على نسخة كاملة عن ملف التحقيقات بشأن مصائر المفقودين والمخطوفين، وهي تدلي بحق ذويهم بمعرفة مصيرهم المكرس في المواثيق الدولية التي أقرها لبنان، وفي الأعراف الدولية، وبأن حق المعرفة أصبح مبدأ عاماً في القانون الدولي.
ولقد أدلت رئاسة مجلس الوزراء المستدعى بوجهها بانتفاء موضوع المراجعة، إذ إن الجهة المستدعية تسلمت كامل الملف المتعلق بالتحقيق المنظم من لجنة التحقيق المكلفة بالاستقصاء عن مصير المفقودين والمخطوفين بموجب قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء، في معرض الدعوى التي أقامتها أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت بوجه مطرانية الروم الأرثوذكس وجمعية المقاصد.
ويستفاد من المستندات المبرزة في الملف أن الجهة المستدعية تقدمت بتاريخ 29/4/2009 باستحضار أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، بوجه مطرانية الروم الأرثوذكس، طلبت بموجبه اتخاذ قرار بتعيين خبير لتحديد موقع المقابر الجماعية ضمن المدافن المشار إليها في تقرير اللجنة الرسمية للاستقصاء عن مصائر المفقودين واتخاذ قرار بتسييج موقع المقبرة الجماعية وتعيين لجنة لحراستها قضائياً، وأنه في سياق التحقيق صدر عن قاضي الأمور المستعجلة قرار بتاريخ 23/10/2009، كلف بموجبه كاتب المحكمة بالانتقال الى رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال على صورة عن كامل الملف المتعلق بالتحقيق المنظم من لجنة التحقيق المكلفة بالاستقصاء عن مصير المخطوفين والمفقودين بتاريخ 25/7/2000، بما فيه صورة عن التقرير الطبي الصادر عن لجنة الأطباء الشرعيين المكلفين»، وأنه تنفيذاً لهذا القرار، تسلّم كاتب محكمة القضاء المستعجل في بيروت، بتاريخ 18/11/2009، صورة عن تقرير لجنة التحقيق الرسمية للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين المؤلفة بموجب القرار رقم 10/2000 تاريخ 21/1/2000 (التقرير الطبي) ونسخة عن قرار تأليف اللجنة برئاسة العميد الركن سليم أبو اسماعيل، ونسخة عن التقرير المقدم من الطبيب الشرعي الدكتور لطف الله أبو سليمان وإفادة معاينة من د. فؤاد فارس.
في المقابل، أدلت الجهة المستدعية بأن المستندات التي تسلّمتها اقتصرت فقط على تقرير اللجنة وهو عبارة عن صفحتين ونصف وتقريري الطبيبين الشرعيين ولم تتضمن محاضر الاستماع إلى المسؤولين عن الميليشيات في زمن الحرب ولم تشمل أي معلومات حول كيفية وصول اللجنة الى تحديد مواقع المقابر الجماعية التي ذكرتها في تقريرها، علماً بأن من الضروري والمنطقي أن تكون اللجنة قد وثّقت الأعمال والاستقصاءات التي كلفت القيام بها والتي استندت إليها للوصول الى النتائج والخلاصات الواردة في تقريرها النهائي، وأن الدولة لم تبرز قائمة محتويات التقرير،
واستند مجلس شورى الدولة في تكريس أحقية طلب أهالي المفقودين في معرفة مصيرهم، إلى التوجيهات القانونية الحديثة ولا سيما اجتهادات المحاكم وآراء المحافل الدولية والإقليمية والوطنية، وإلى أنه مبنيّ على الحق في الحياة الأسرية وحقوق الطفل والحق في الانتصاف القضائي السريع.
ويضيف قرار شورى الدولة «إن الخطاب القانوني الدولي والمقارن أجمع على استخلاص حق المعرفة من مجموعة من الحقوق المدنية المكرسة في المواثيق الدولية، وعلى الأخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة واتفاقية حقوق الطفل وهي مواثيق أقرها لبنان.
كما استند القرار الى مجموعة من الاجتهادات التي كرستها المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وبعثة حقوق الإنسان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وغرفة حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك، والهيئة الوطنية للجرائم الفدرالية في الأرجنتين خلال المحاكمات المعروفة بـ«محاكمات الحقيقة»، والجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وخلص القرار «بما أن حق معرفة مصير المخطوفين والمفقودين هو حق طبيعي لأعضاء أسرهم، أكانوا متوفين أو على قيد الحياة بحيث يترتب على ذلك في الحالة الأولى قيام الأسرة بمراسيم الدفن والحداد بشكل لائق يتوافق مع الكرامة الإنسانية للمتوفى، وفي الحالة الثانية استكمال المراجعات لمعرفة مكان احتجاز المفقود وإمكانية رؤيته والعمل على الإفراج عنه إذا كان مخطوفاً أو تأمين وسائل الدفاع عنه إذا كان مسجوناً، كذلك تأمين العناية الطبية والمواكبة العاطفية... وهي من الحقوق الأساسية التي أقرتها الشرائع الدولية والدستور اللبناني. وإن الدولة لم تنفِ حق ذوي المفقودين بمعرفة مصيرهم من خلال تسليمهم ملف التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق المنشأة للاستقصاء عن مصير المخطوفين والمفقودين سنة 2000، إنما هي أدلت بأنها سلمتهم كامل الملف المتعلق بالتحقيق المذكور في معرض دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة. وبما أن حق ذوي المفقودين بمعرفة مصيرهم هو حق طبيعي متفرع عن حق الإنسان بالحياة وبالحياة الكريمة وبمدفن لائق عن حق العائلة باحترام الأسس العائلية وجمع شملها، وعن الطفل بالرعاية الأسرية والعاطفية والحياة المستقرة، وهي حقوق كرستها المواثيق والشرائع الدولية التي انضم إليها لبنان، ما يستتبع إعلان حق ذوي المفقودين بالاطلاع على كل التحقيقات لكشف مصيرهم وإن هذا الحق لا يقبل أي تقييد أو انتقاص أو استثناء إلا بموجب نص صريح، الأمر غير المتوفر في القضية الحاضرة.
وبما أنه يقتضي تبعاً لذلك إبطال القرار الضمني المطعون فيه الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء وإعلان حق الجهة المستدعية بالاستحصال على نسخة عن الملف الكامل لتحقيقات لجنة التحقيق الرسمية للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين.




القاضي يفلسف النص القانوني

جريدة الاخبار

العدد ٢٢٤٣ الثلاثاء ١١ آذار ٢٠١٤


قال أحدهم إن الدولة التي لا تحفظ الأمن لا يحق لها أن تعاقب». استخدم عميد المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والإدارية والاقتصادية في الجامعة اللبنانية، الدكتور جورج سعد، هذه المقولة بالذات ليبرهن على أن «الفلسفة هي المرجع الاخير»، قال عن هذه المقولة: «إنها موقف فلسفي بامتياز من كل نصوص قانون العقوبات اللبناني».

من جهته ردّ القاضي جون قزي على مداخلة أحد طلاب الدكتوراه، الذي تحدث عن محاذير إعطاء المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي حق إعطاء الجنسية لأولادها بسبب الخطر الديموغرافي في لبنان، فقال «إذن لماذا لا يمنع المشترع اللبناني الزوج اللبناني المتزوج من أجنبية من إعطاء جنسيته لأولاده. فلتكن مساواة في الحرمان؟».
سعد وقزي حاضرا في ندوة نظمها المعهد بعنوان «الدور الخلاق للقاضي»، وشاركت فيها رئيسة قسم الحقوق في مركز المعلوماتية القانونية الدكتورة جنان الخوري.
قال سعد «إن مقولة القاضي هو فم القانون غير صحيحة. القاضي يجتهد ويقرأ ذاتياً النصوص القانونية، بدليل بعض القرارات التي يبدو فيها القاضي مخالفاً للقانون ومتمرداً. المسألة ذاتية مرتبطة بشخص القاضي، بالحقبة الزمنية، بالبلد، بالحريات، بالجو السياسي». ورأى أن «النص القانوني غالباً ما يحتمل التأويل، وحتى عندما لا يحتمل التأويل فقد يتم استبعاده عبر الاستعانة بمفاهيم أخرى مثل الظروف الاستثنائية في القانون الإداري لتصحيح الأمور وجعل العمل القانوني أكثر عدلاً». ورأى أن «الدور الخلاق للقاضي يعني أن القاضي يفلسف النص القانوني، يقاربه فلسفياً في ضوء المتغيرات المجتمعية». وشرح سعد «عندما يخسر المحامي دعوى قضائية لا يعود يلتفت إلى القانون ونصوصه، بل يروح في معرض نقده يبحث ويناقش في معنى العدالة ودور القضاء وعملية تفسير النصوص، بل في السياسة وفي سلطتنا التشريعية التي أصدرت قوانين كهذه، وربما في شكوكه في استقلالية القضاء وتفشّي الرشوة». وأشار الى أن «ثمة صنفين من القانونيين أو القضاة: الوضعانيون والمثاليون. الوضعانيون يبالغون في رفضهم أي دور للفلسفة في إطار الدراسة القانونية. هؤلاء يقولون: ماذا يفعل أفلاطون في قرار إخلاء مأجور؟ حاولت عبثاً إقناع هؤلاء الزملاء بأن كل الفلسفة قائمة في قرار إخلاء المأجور، لأن المسألة مرتبطة بتصور القاضي عن مجتمع فيه مستأجر ومؤجر، عن تكافؤ الفرص، عن طبيعة المأجور، عن ظروف الحرب ومئة مسألة أخرى، ولم أفلح في إقناعهم حتى الآن. والمثاليون يبالغون هم أيضاً في تجاهل أي أهمية للنص القانوني الوضعي». وأشار سعد إلى أنه ينتمي، كما القاضي قزي، «الى صنف يمكن تسميته «الوضعاني الواقعي»
positiviste réaliste الذي ينطلق من النص القانوني ولكن انطلاقاً من احتياجات الناس وهمومهم اليومية عبر العودة دوماً الى مفاهيم العدل والإنصاف والمساواة والحرية في المفهوم الأصيل لهذه المفاهيم». ولفت سعد إلى قضاة آخرين اتخذوا قرارات جريئة وفلسفية مثل رالف رياشي (الدفع بعدم الدستورية)، خالد حمود (قانون الإعدام)، وقال: «أعتقد أن العدوى بدأت تنتشر، ربيع القضاء اللبناني بدأ يزدهر، ولو بحياء، ولا سيما في مواضيع تخص حقوق الإنسان، مثل قرارات الإبعاد التي رفضها بعض القضاة تطبيقاً لاتفاقيات دولية تحظر إبعاد الأشخاص الى بلدان حيث الإعدام ينتظر المبعد، وقرار حديث حيث قررت محكمة في جبل لبنان ولأول مرة سجن مخدومة عنّفت مخدومتها الإثيوبية».
من جهته، عرض القاضي قزي أربعة قرارات اتخذها، وبعد كل قرار كتب كتاباً في الموضوع: الزواج المدني في لبنان، رحلة العمر الى الجنسية، التبنّي وقضية الطائرة الإثيوبية. وقال «إن القاضي هو كالطبيب الذي لا يمكن أن يصف أدوية بائدة، وكذلك النصوص اللبنانية التي أصبحت بائدة، غير صالحة للاستخدام ويجب تعديلها. ولكن بانتظار ذلك، هل يبقى القضاء مكتوف الأيدي أم يحاول تفسير النص بحيث يجعله يتكلم فيتحول هكذا النص من شيء جامد الى شيء متحرك، ينبض بالحياة، يجاري العصر؟». وسأل: «هل تعرفون أن القانون اللبناني لا يزال يعاقب الفتاة التي تلبس شورت؟ هذا يعني أن الواقع تفوّق على القانون، تجاهله، سبقه بمكان. هل نبقى نحن معشر القضاة نطبّق نصوصاً عفّ عنها الزمن أم نحاول عبر التقنيات القانونية اتخاذ قرارات قضائية عادلة ومعاصرة» .


مراكز مراقبة من دون برنامج طوارئ
تلوث الهواء في لبنان يتجاوز كل المعايير

جريدة السفير

تاريخ المقال: 04-02-2014

حبيب معلوف

بعد ان دلت دراسات متفرقة ان قضية تلوث الهواء لاسيما في المدن تجاوزت كل الخطوط الحمراء، كان السؤال دائما عن ضرورة وجود أجهزة قياس ثابتة وبرامج مراقبة دائمة لنوعية الهواء وخطة للمعالجة والوقاية. فالدراسات المقارنة و المتفرقة منذ العام 1995 كانت قد أكدت ان نوعية الهواء في لبنان تستدعي إعلان حالة طوارئ لأكثر من مئة يوم في السنة يكون التلوث فيها في حالة الذروة في المدن وعلى ارتفاع بين 600 و700 متر عن سطح البحر.

كما كانت "وحدة البحوث المشاركة حول نوعية الهواء" ، التي تضم باحثين من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، والتي أنشاها المجلس الوطني للبحوث العلمية في أواخر عام 2008 ، قد قامت بقياس مستويات الغازات السامة والمواد العالقة في الهواء في مدينة بيروت خلال السنوات الثلاث الأخيرة ووجدت أن مؤشرات تلوث الهواء في مدينة بيروت تتجاوز بأضعاف الحد الأعلى المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية!

كما أظهرت دراسات فريق العمل ان تلوث الهواء في لبنان لم يعد ينحصر في المدن، بل يمتد الى ارتفاعات بين 700 و900 متر عن سطح البحر، حسب فصول السنة وحسب اتجاهات الرياح ودرجات الحرارة...الخ، وهذا يعني أن الحديث من الآن وصاعدا لم يعد ينحصر بتلوث هواء العاصمة بيروت، بل بتلوث هواء لبنان بشكل عام، بناء على كل المعطيات المناخية والتوبوغرافية وبناء على التنظيم المدني وكيفية ترتيب الأراضي في لبنان.

كما بينت الدراسات أن تلوث الهواء يكون في أدنى مستوى له في فصل الشتاء، أثناء تساقط الأمطار التي تسقط معها التلوث على الأرض. إلا أن أوقات الشتاء لا تشكل سوى ما يقارب 75 يوما من أيام السنة وذلك حسب الإحصاءات لعامي 2010 (73 يوم شتاء) والعام 2011 (77 يوم شتاء)، مع معدل انخفاض قياسي هذه السنة، وقد تبين ان التلوث يسيطر على الأجواء اللبنانية طوال 295 يوما، بينها ما لا يقل عن مئة يكون فيها التلوث في حالة الذروة، وهو رقم مرتفع جدا بالنسبة إلى بلد "اخضر" مثل لبنان. كما أشارت الدراسة إلى اتجاهات الرياح بالنسبة إلى المدن القريبة من الساحل حيث يأتي الهواء من البحر إلى اليابسة نهارا، في حين يحصل العكس ليلا. وبالتالي تكون حالة الذروة من التلوث في النهار، ولاسيما بالقرب من الطرق المزدحمة بالسيارات. أما الكلفة الصحية لمعالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء فقد بلغت 1,02 من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان!

جديد هذا الملف هو تحرك وزارة البيئة والعمل مع اختصاصيين كي تضع برنامجاً لمراقبة نوعية الهواء، وقد انطلقت المرحلة الأولى من هذا المشروع بخمسة أجهزة موجودة في بعض المناطق اللبنانية وهي أجهزة تعمل بشكل مستمر وتنقل بيانات بشكل "اوتوماتيكي" حول نوعية الهواء الى وزارة البيئة حيث يقوم اختصاصيون في الوزارة بتحليلها وتحويلها الى "داتا" لكي تتمكن من مراقبة نوعية الهواء.

فكيف بدأ هذا الموضوع؟ واين هي المراكز؟ وما هو نوع هذه الاجهزة؟ وكيف تعمل؟ وكيف تم اختيار تلك المواقع وبناء على اية معايير؟ وهل هي كافية ؟ وهل هناك اجهزة متنقلة لنقل الصورة بشكل اوضح وافعل واكثر دقة؟ ومن هو الجهاز البشري الذي سيشرف على هذه العملية؟ من دربه؟ وهل هو دائم في ملاك الوزارة ام هو من ضمن المشروع، ينتهي بانتهاء المشروع كما هي الحال مع معظم هكذا انواع من المشاريع؟ وهل تشمل الخطة إجراءات محددة تطلبها الوزارة في حال وصل التلوث الى الذروة كاعلان حالة طوارئ او اتخاذ إجراءات بمنع التجول او تغيير سياسات ...؟

حملت «السفير» هذه الأسئلة لمديرة مشروع تطوير مراقبة الموارد البيئية في وزارة البيئة التابع لبرنامج الامم المتحدة الإنمائي نور المصري التي أكدت أن عملية رصد نوعية الهواء قد بدأت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013 وذلك في ثلاثة مواقع. أما الموقعان الأخيران، فقد أنهيت أعمال التركيب فيهما مؤخرا بحيث أصبحت الوزارة تملك خمسة أجهزة مؤتمتة تخضع لأعمال المعايرة والصيانة دورياً لضمان حسن عملها.

مراكز المحطات
تتمركز هذه المحطات الخمس في الأماكن التالية:
- معهد التعليم في ثكنة محمد مكي بعلبك.
- ثانوية رفيق الحريري - صيدا.
- حديقة الممشية - زحلة.
- حرج بيروت.
- مجمع الجامعة اللبنانية الحدث.
نوعية الأجهزة

وما هو نوع الأجهزة؟ وكيف تعمل؟
تعرف هذه الأجهزة بـ«الـمؤتمتة»، أي إنها تعمل بشكل مستمر لقياس نسب الملوثات الموجودة في الهواء. تحتوي محطة الرصد على أجهزة تحليل مختلفة، وذلك وفقا لأهداف الرصد وخصائص الموقع، لا سيما أكاسد النيتروجين (
NOx)، ثاني أكسيد الكبريت (SO2)، أكسيد الكربون (CO)، الجزيئيات (PM10-PM2.5)، والأوزون (O3). يتم ضخ الهواء بشكل مستمر ويتم تسجيل مستوى الملوثات في الهواء. كما يتم تخزين مستويات التلوث من قبل مسجل البيانات ويمكن الحصول عليها عن بُعد من خلال جهاز كمبيوتر موجود في وزارة البيئة. وتؤكد وزارة البيئة على دقة عملية الرصد إذ تعتبر هذه الأجهزة دقيقة وموثوق بها للغاية، إذ تعمل وفقاً لمعايير أوروبية وأميركية.

معايير اختيار المواقع

كيف تم اختيار تلك المواقع؟
بحسب المصري، فإن اختيار مواقع الرصد هو جزء من برنامج رصد نوعية الهواء عمل استشاريون على وضعه بإشراف وزارة البيئة وتماشياً مع أهداف وخطط الوزارة على صعيد إدارة نوعية الهواء. يوضع برنامج الرصد آخذا بعين الاعتبار المناطق التي تعتبر ساخنة من حيث نوعية الهواء... وغالباً ما تكون هذه المناطق ذات كثافة سكانية عالية.
باختصار، في مرحلة أولى، تمّ تجهيز خمسة مواقع «خلفية» أي مواقع تسمح برصد متوسط مستوى تعرض السكان للتلوث. بالإضافة الى ذلك، كان هناك عوامل تشغيلية أساسية تؤثر في اختيار الموقع مثل توفر التيار الكهربائي لتشغيل الجهاز وذلك بشكل مستمر. «كما أننا كنا حريصين على إشراك القطاع العام والخاص في عملية الرصد بحيث تتحمّل المؤسسات القيّمة على المواقع بتكلفة الكهرباء»، كما توضح المصري.

المناطق الساخنة

ولكن المواقع المقترحة لا تشمل أكثر المناطق سخونة، لا سيما على اوتوستراد الدورة نهر الموت انطلياس (ساحل المتن)، حيث تسجل زحمة سير مستمرة وحيث يصطدم الهواء بالجبل القريب ويرقد في المنطقة؟
ترى المصري، بناء على الدراسات ومخرجات المشروع، أن الوزارة قد وضعت بالتعاون مع خبراء متخصصين برنامجاً لرصد نوعية الهواء حيث سوف ترصد نسب الملوثات في مواقع حضرية او ريفية «خلفية». بالإضافة الى عملية الرصد المؤتمتة، فهي تعمل على «نمذجة» لنوعية الهواء (
air quality dispersion modeling) بحيث تتمكن من فهم انتشار الملوثات على الأراضي اللبنانية كافة. إن التلوث الناتج عن معامل الطاقة (منها في منطقة ساحل المتن الشمالي) وعن المناطق الصناعية لا سيما المنشآت الصناعية الملوثة يمكن استخلاصه عبر عملية النمذجة المذكورة أعلاه علماً إن المعلومات المتعلقة بعملية الإنتاج (نسب الملوثات المختلفة عند المدخنة، ارتفاع المدخنة، حرارة الغازات المنبعثة وسرعة تدفقها،...) متوفرة ويمكن بالتالي معرفة كيفية انتشار الملوّثات ونسبها على مستوى الأرض. هذا لا يمنع أن يتم في مرحلة لاحقة تثبيت أجهزة لرصد الملوثات في مواقع صناعية للتحقق من نتائج عملية «النمذجة»، ولكن تحركاً كهذا يستدعي التنسيق مع الصناعيين ومشاركتهم في عملية الرصد والالتزام البيئي.

تلوث قطاع النقل

لكن ماذا عن زحمة السير على الطرق؟
ترى المصري أنه سوف يتم احتساب مساهمة قطاع النقل في عملية «نمذجة» الهواء «إذ أننا نستخدم جردة للانبعاثات من قطاع النقل تأخذ بعين الاعتبار حركة المرور (عدّ يدوي للسيارات على محاور محددة)، وكذلك تخمين وتقدير عدد المركبات وأنواعها وفقاً لبيانات من سجلات «الميكانيك»، وسيتم أيضاً اعتبار خصائص أخرى مثل عمر السيارة، نوع الوقود، وحركة المرور النهاري، وحركة المرور كل يوم من أيام الأسبوع، الخ. كما سيتم استخدام هذه المعلومات في عملية نمذجة الهواء لتقييم مساهمة قطاع النقل في تلوث الهواء. وستقترن هذه المعلومات إلى بيانات الأرصاد الجوية لنمذجة الانبعاثات.
هناك أيضاً منهجيات لدمج تأثير البحر. وهناك خبراء يعملون بالفعل على ذلك. وسوف يتم هذا النشاط بالتعاون مع جامعة القديس يوسف - كلية العلوم والوكالة الوطنية الإيطالية للتكنولوجيا الجديدة والطاقة والتنمية الاقتصادية المستدامة
ENEA.

لا خطة طوارئ

ولكن ما مدى كفاية هذه المواقع المختارة والمراكز؟
تؤكد المصري أن الوزارة تسعى إلى تجهيز 5 مواقع خلفية إضافية وتحضّر أيضاً، بدعم من مراكز بحوث لبنانية وأجنبية، لنمذجة نوعية الهواء (
air quality modeling) للسماح للوزارة بفهم نوعية الهواء على نطاق الأراضي اللبنانية ككل. نظراً لكلفة عملية الرصد، فإن الدول المتطورة في مجال رصد نوعية الهواء تسعى أكثر فأكثر لتقليص عدد أجهزة الرصد على أراضيها لتستبدلها بدراسات النمذجة المذكورة أعلاه.
وهل هناك أجهزة متنقلة؟
«ليس هناك من أجهزة متنقلة»، كما تجيب المصري، خاصة أن الوزارة لا تملك الجسم التقني لمتابعة هذه العملية. ومن هو الجهاز البشري الذي سيشرف على هذه العملية اذاً؟
في السنة الأولى، بحسب المصري، سوف تقوم الشركة التي زودت الوزارة بهذه الأجهزة بعملية الصيانة والمعايرة اللازمة بإشراف فريق تقني من الوزارة، لا سيما من قبل دائرة نوعية الهواء التي سوف تقوم بتحليل البيانات. كما «ستكون هذه السنة مهمة لاكتساب الخبرات اللازمة، مع العلم أن فريق الوزارة قد خضع حتى الآن للتدريب في لبنان وكذلك في الكويت لهذه الغاية».
لقد تضمن المشروع مكوّن تدريب بحيث تمّ إشراك دائرة نوعية الهواء والتقنيين المعنيين بالإضافة الى استشاريين بيئيين من القطاع الخاص لبناء قدراتهم في حال تعذر على الوزارة لسبب ما القيام بالمتابعة اللازمة.
وحول ما إذا كان المتدربون سيصبحون في ملاك الوزارة ام هم من ضمن المشروع يذهبون مع انتهاء المشروع؟
تؤكد المصري «أن المشروع يشرف على نهايته مما يعني أن الوزارة سوف تكون مسؤولة عن متابعة عملية الرصد عن كثب».
وهل تشمل الخطة إجراءات محددة تطلبها الوزارة في حال وصل التلوث الى الذروة، كمثل اعتماد خطة طوارئ ما؟
حول هذا الموضوع تقول المصري: «في هذه المرحلة، لم يتم وضع خطة طوارئ (إذا صح التعبير)، إذ إن ذلك يعتمد على تنسيق مع وزارات أخرى ومع القطاع الخاص في مناطق محددة، لكن مع إقرار قانون نوعية الهواء، سوف يكون للوزارة آلية لأخذ التدابير اللازمة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق